لكل إنسان الحق بالعمل والشغل مثلما أنّ لكل إنسان الحق بالزواج، لكن الربط السببي بين العمل والزواج انحراف عن الطبيعة البشرية للفرد والمجتمع، وبسببه قد تتوقف الحياة البشرية وتنقرض أو تنخفض نسبة المواليد مثلما تشهده بعض المجتمعات الرأسمالية الغربية، وهو ما بدأت تتأثر به مجتمعاتنا العربية والمسلمة، حيث انخفاض نسبة المواليد في المملكة على سبيل المثال من 18.5 سنة 2015 إلى 14.5 سنة 2024.
هناك فرق بين أزمة العمل وأزمة الزواج، وإلا لأصبح لدينا مؤشرات محلية وعالمية تعكس ارتفاع نسبة الزواج والطلاق وانخفاضها تبعاً لارتفاع أسعار الذهب وأسعار البترول وقيمة الدولار والعملات الرقمية وأسواق الأسهم السعودية أو الخليجية والأوروبية والآسيوية.
إن التعسف بالربط بين الزواج والعمل يعني ببساطة حرمان العاطلين من حق الزواج في عمر الزواج المناسب، كما قد يعني أن ما بين 30% إلى 40 % من العاملين في سوق العمل لن يتمكنوا اقتصادياً من الزواج؛ لأن رواتبهم غالباً تتراوح بين 3,000 ريال و5,000 ريال.
إن أي محاولة للتعامل مع ظاهرة العزوف الجماعي للشباب عن الزواج وربطها بالعامل الاقتصادي الناتج لأزمة البطالة هو حكم مسبق بالفشل على أي حل لهذه الأزمة. قد نفهم تأثير العامل الاقتصادي في أزمة العزوف الجماعي عن الزواج، وقد نفهم أزمة السكن وتكاليف المعيشة وتأثير كل هذه العوامل في هذه الظاهرة، لكنّ من غير الحكمة ومن غير الدقة والموضوعية، استبعاد العوامل الأخرى غير الاقتصادية في البحث عن حل لهذه الأزمة، والسبب أن المجتمع يمر بتغييرات جمة وتحولات عميقة خلال السنوات الماضية على مستوى الفرد والأسرة والعلاقات الاجتماعية وحجم التأثير الناجم عن التواصل الاجتماعي ومعطيات التقنية المختلفة. وهذا لا بد أخذه بالاعتبار كمعطى ومؤثر في وعي وتفكير ومواقف الرجل والمرأة من فكرة الارتباط بين الطرفين والمسؤولية المفترضة من الطرفين، بجانب تقنين أدوار الطرفين بعد دخول المرأة لسوق العمل، وارتفاع تكاليف المعيشة.
من المؤكد أن العاملين هم أقدر على الزواج ماليّاً، لكن ذلك لا يمنع من التدخل السريع والعاجل من خلال تشكيل فريق رفيع المستوى من المختصين لدراسة الظاهرة وإيجاد الحلول الاجتماعية والاقتصادية لها ولظاهرة انخفاض نسبة المواليد.
مع أهمية دراسة وتقييم «حافز» و«جمعيات الزواج» و«قرض الزواج»، بجانب مراجعة شروط زواج المواطنين من غير المواطنات وزواج المواطنات من غير المواطنين. بجانب التشريعات المتعلقة بالحد من تكاليف الزواج وارتفاع المهور في بعض المجتمعات المحلية.
أظن أن الحاجة باتت ماسةً لإيجاد منصّة وطنية شرعية لتشجيع وتحفيز الزواج بين الراغبين والراغبات بالزواج بطريقة شرعية وموثوقة ومحترمة، فليس كل الشباب ولا كل الأسر يشترطون وظيفة مرموقة أو دخولاً مالية عالية أو مهوراً مرتفعة؛ كي يزوجوا أولادهم أو بناتهم.
أخبار ذات صلة