
ظاهرة الاحتيال المالي بشتى أنواعه وصوره قد ارتفعت بسرعة لتصبح من الجرائم عالية المخاطر التي تستهدف اليوم الأوضاع الاقتصادية والتجارية والأمنية. باتت تستغل الظروف السياسية والكوارث، وغيرها من الأحداث. هذه الظاهرة، التي كانت في الماضي تُستخدم في الروايات التاريخية كمادة للتندر والطرافة، دالة على الحنكة والدهاء، تحولت في العصر الحديث إلى مصدر قلق كبير، مرادفًا للنصب والغش والفساد.
التحولات التي طرأت على منظومة القيم والعادات، والانفجار الرقمي الهائل، ساهمت في زيادة خطورة هذه الأنشطة الاحتيالية التي تهدد أمن المجتمع وثرواته، وتعترض طريق الاستثمار والتنمية التجارية المستدامة. الاحتيال لم يعد مجرد كذب أو خداع للحصول على أموال الآخرين؛ بل تجاوز ذلك إلى مستويات أكثر تعقيدًا وانتشارًا، عابرةً للقارات.
ومن أبرز أشكال الاحتيال اليوم ما يحدث في أسواق الأسهم، حيث يقوم بعض كبار المضاربين بإدخال أوامر بيع بسعر مرتفع لجذب الضحايا للشراء، بالإضافة إلى المبالغة في الدعاية والإعلان عن منتجات منخفضة الجودة. هذا إلى جانب استغلال الشركات والمؤسسات الوهمية والوعود بالثراء السريع في استثمارات وهمية.
عالج النظام السعودي هذا النوع من الجرائم بعدة أنظمة، منها نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة الذي نص على عقوبات تصل إلى السجن سبع سنوات وغرامة خمسة ملايين ريال. كما عالج نظام مكافحة الغش التجاري حالات الغش في المنتجات، وفرض عقوبات تصل إلى السجن سنتين وغرامة نصف مليون ريال. النظام لم يغفل عن الجرائم المعلوماتية، حيث نص نظام مكافحة جرائم المعلوماتية على عقوبات تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامة مليوني ريال.
على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت لتشديد العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم، إلا أنه لم يتم حتى الآن وضع قواعد وقائية أولية لمنع الاحتيال وتنبؤ بحدوثه، سواء عبر الأدوات التحذيرية أو استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي. بعض الدول المتقدمة تعتمد على أساليب مبتكرة لملاحقة المحتالين، مثل إرسال تحذيرات عبر قنوات الاتصال، التشهير بهم في وسائل الإعلام، ووضع أسمائهم على قوائم سوداء تمنع التعامل المالي معهم.
في الختام، يمكن القول إن جرائم الاحتيال المالي تمثل تحديًا كبيرًا لأمن المجتمع واستقراره الاقتصادي. لذلك، من الضروري تعزيز الجهود التشريعية والوقائية للتصدي لهذه الجرائم بطرق فعالة ومبتكرة.
بقلم المحامي والمستشار القانوني عادل رشيد المالكي